الأربعاء، 28 يناير 2009
مرة أخرى، نحو استثناء جزائري: سوسيولوجيا النفور من مفهوم الزعيم الكاريزمي
رياض الصيداوي
تميزت حرب التحرير الجزائرية (1954 ــ 1962) برفضها الكلي لمبدأ القائد أو الزعيم. كان شعارها المقدس لا يوجد إلا زعيم واحد هو الشعب . ودفع كل من حاول الخروج عن هذا الإجماع الثوري ثمنا باهظا وصل إلي حد القتل في بعض الأحيان أو العزل في أحيان أخري. أول ضحية لهذا الإجماع كان مصالي الحاج أبو الحركة الوطنية الجزائرية الحديثة الذي لم يقبل أن تتجاوزه الأحداث وأن يخرج عليه شباب مجهولون ليؤسسوا اللجنة الثورية للوحدة والعمل ثم لجنة 22 لتنتهي إلي تأسيس تنظيم جديد صغير، متواضع العدد اسمه جبهة التحرير الوطني. حاربه بعنف ولكنه خسر المعركة بشكل لم يكن متوقعاً وسقط كثير من الضحايا في سبيل الدفاع عن فكرة الزعيم أو رفضها. لنقل أنه منذ الأمير عبد القادر الجزائري لم تعرف الجزائر زعيما أوحد، لقد شهدت إما زعماء محليين صغاراً أو لا شيء، أي تكتلات تكون فيها القيادة متموجة، مرنة ومتنقلة.
محاولات الزعامة الأولي
تعتبر الكاتبة الأمريكية جوان جليبي أن عدم وجود زعيم أعلي واحد، قد تفسره محاولات مصالي الحاج للسيطرة علي الحركة الوطنية الجزائرية. وهي محاولات استاء منها بمرارة وقاومها الزعماء الجزائريون الآخرون، خشية أن زعيما منفردا قد يتخذ بدافع أسباب شخصية قرارات تسفر عن كارثة، كما تفسره ضرورة الاستمرار التي يصعب علي رجل واحد أن يضمنها وسط أخطار حرب العصابات. وليس معني هذا القول بأن أحد الزعماء السياسيين والعسكريين علي الأقل لم تساوره نفسه بأن يصبح الزعيم الوحيد المعترف به. ومن المؤكد أن عددا من العسكريين كان يريد سلطة مطلقة علي مستوي صغير، وقد حصل بعضهم عليها لبعض الوقت، ولكن معارضة الزعماء الآخرين، والإخلاص لقضية وطنية وضع حدا لكل المحاولات الجدية لاغتصاب السلطة. يحجب الاقتراب من شخصية مصالي الحاج لمحاولة فهمها.
مصالي الحاج هي أغرب قيادة جزائرية أحيطت بها علامات الغموض. حيث اعتبرت شخصية شديدة الوطنية والثورية تارة وخائنة عميلة للاستعمار مرة أخري. لقد ولد مصالي الحاج سنة 1898 في مدينة تلمسان غرب الجزائر. وهي مدينة الهجرة الجماعية التي تمت سنة 1911. وتمكن مصالي من دخول المدرسة والتعلم قليلا لأنه ابن صانع أحذية. شارك في الحرب العالمية الأولي في الجيش الفرنسي ثم عاد إلي الجزائر في سنة 1921، حيث فشل في الحصول علي شغل، فاضطر إلي العودة إلي فرنسا. وهناك زاول بعض الأعمال في مصانع باريس، كما قضي بعض الوقت بائعا متجولا. وفي هذه الفترة اهتم بتعميق ثقافته ومستوي تعليمه، فعمل علي تلقي بعض الدروس في مدرسة اللغات الشرقية وحضر محاضرات في جامعة بوردو. نشاطه السياسي بدأ من خلال النقابات، حيث انضم إلي الطبقة العاملة الفرنسية وكفاحها، ثم انضم إلي الحزب الشيوعي الفرنسي، وتزوج من شيوعية فرنسية. واكتسب في هذه الفترة تجربة العمل السياسي ضمن الخلايا الشيوعية في باريس. حيث استفاد من خبرات الإدارة والتنظيم والاتصال والقيادة. وهو ما سيساعده لاحقا في تزعمه للحركة الوطنية الجزائرية.
نجمة شمال إفريقيا
وفي سنة 1925 ــ 1926 أنشأ مصالي الحاج حزب نجمة شمال إفريقيا الذي كرس نفسه للدفاع عن مصالح مسلمي شمال إفريقيا المادية والمعنوية والاجتماعية. وفي سنة 1927 أصبح رئيسا للحزب وخفف بالتدريج علاقته بالحزب الشيوعي. وقد طالب حزب نجم شمال إفريقيا منذ البداية، بالاستقلال لشمال إفريقيا بأجمعه، وبتمثيل العمال التونسيين والمراكشيين في باريس مثل الجزائريين. وكانت فكرة الشمال الإفريقي تظهر المرة بعد المرة في مجري الحركة الوطنية الجزائرية، ولكن سرعان ما سيطر العمال الجزائريون علي نجمة شمال إفريقيا وتحول اهتمام التونسيين والمراكشيين إلي الحوادث الداخلية كل في بلاده. ولم يكن لمناضلي نجمة شمال إفريقيا الأوائل، في ما عدا الهدف العام وهو الاستقلال سوي رأي غامض وصف بأنه ماركسية سطحية، جزائرية عاطفية تحن إلي الوطن، وإسلامية مخلصة . وحلت الحكومة الفرنسية نجمة شمال إفريقيا في سنة 1929 لمطالبته بالاستقلال، فتحول الكثيرون من أعضائه إلي العمل السري..ثم قام بتأسيس حزب الشعب الجزائري (1937 ــ 1939)، ثم أسس حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي قامت بتأطير نضال الشعب الجزائري منذ سنة 1946 ثم ووقع حلهما من قبل الحكومة الفرنسية.
استقطاب الشباب
لقد تميزت حركة انتصار الحريات الديموقراطية، باستقطابها شبابا متحمسا، كان مستعدا للجوء إلي القوة المسلحة من أجل حصول الجزائر علي استقلالها. تبلور هـذا الـوعي الجـديد عـلي إثـر أحداث أيار (مايو) 1945 الدموية (حوالي 45 الف ضحية من الجانب الجزائري). وكانت حسب محمد بوضياف قد قدمت الدليل القاطع بأن هزيمة الاستعمار الفرنسي لا يمكن أن تحدث إلا من خلال الوسائل الثورية وهي بالنسبة لمناضلي جيله تعد نقطة تحول في تشكل وعيهم وإحداث قطيعة مع أساليب الماضي.
ومن ثمة، شهدت سنتي 2195 ــ 1953 أزمة ثقة خطيرة بين الجماهير الشعبية وقيادة الحركة. وعمت هذه الأزمة بقية الأحزاب الأخري (الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، الحزب الشيوعي الجزائري، جمعية العلماء المسلمين). وذلك بسبب غياب مشروع واضح لتحرير الجزائر، حيث كانت الجماهير واعية بطبيعة الوضع، لكنها لم تجد في أي حزب منهم استجابة لتطلعاتها .
أما الأسباب المباشرة التي أدت إلي تأسيس جبهة التحرير، فتكمن في الصراع العنيف الذي شهدته حركة انتصار الحريات الديمقراطية، بين مصالي الحاج الذي طالب بحصوله علي سلطات مطلقة مدي الحياة من جهة، واللجنة المركزية للحزب التي اعتبرت مطلبه غير ديموقراطي ورفضته من جهة ثانية.
فقام مصالي الحاج بعقد مؤتمر في بلجيكا في صيف 1954، لم يدع فيه إلا أنصاره، وقرر عن طريقه فصل أعضاء اللجنة المركزية الذين عارضوه، ورد هؤلاء بدورهم الفعل، وعقدوا مؤتمرا وطنيا في الجزائر، قرروا علي إثره فصل مصالي من قيادة الحزب، والتأكيد علي أنهم يمثلون السلطة السياسية الوحيدة في الحركة.
وأدي هذا الانشقاق بدوره إلي ظهور تيار ثالث يتجاوز أطروحة المصاليين والمركزيين علي حد السواء، حيث حصر اهتمامه في ضرورة المبادرة بقيام عمل ثوري، عسكري وفوري، حتي يتم استغلال الظروف المناسبة التي أتاحتها فرصة تاريخية ثمينة.
وضم هذا التيار شبابا اكتسب تجربة من العمل السري داخل المنظمة الخاصة شبه العسكرية. المنظمة الخاصة، تنظيم شبه عسكري يعمل في سرية، لكنه تحت إشراف القيادة السياسية لحركة انتصار الحريات الديموقراطية. وسارع بإنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل، التي تحولت إلي لجنة 22 ثم لجنة 5، فلجنة 6 وأخيرا لجنة 9، ومن ثمة تأسست جبهة التحرير الوطني.
اجتمع في النصف الثاني من شهر حزيران (يونيو) عام 1954 اثنان وعشرون شخصية سياسية، جميعهم كانوا مناضلين قدامي في المنظمة الخاصة. وبحثوا إمكانية الشروع في الكفاح المسلح. ثم برزت منها لجنة أخري متشكلة من خمسة أعضاء قامت بإعداد مذكرة توجهها إلي المصاليين والمركزيين. وكانت الإجابة بالرفض، فأعيد تشكيل لجنة جديدة من ستة أعضاء ثم اتسعت لتصبح تسعة، ثم تحولت في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1954 إلي جبهة التحرير الوطني، وأسست في نفس الوقت جيشها، أطلقت عليه اسم جيش التحرير الوطني. وبرزت شخصيات كثيرة أرادت الزعامة والانفراد بالقيادة. مثل عبان رمضان، أحمد بن بلا، هواري بومدين، كريم بلقاسم، فرحات عباس، وبن يوسف بن خدة. لكن أبرزها علي الإطلاق كان عبان رمضان، احمد بن بلا وهواري بومدين.
عبان رمضان
هو سياسي من منطقة القبايل، لعله أقوي شخصية في الثورة الجزائرية. انضم إلي حزب الشعب الجزائري عام 1944 وكان مسؤول ولاية بجاية، ثم عنابة. أدخل السجن من سنة 1950 إلي بداية 1955 ثم أصبح عضو لجنة التنسيق والتنفيذ منذ سنة 1956 حتي اغتياله سنة 1957 ومنذ تشرين الاول (أكتوبر) سنة 1956 حتي موته كان يهيمن علي أجهزة الثورة بقبضة من حديد وذلك نظرا لطاقته وحزمه الذي لا يعرف التردد. وهو بطبيعته ثوري علي النسق اللينيني. ويؤمن بنظرية العمل الإرهابي في المدينة الكبيرة. وقد كان يقول إن دق ناقوس الإنذار في مدينة الجزائر يساوي مائتي قتيل في الجبال . وكان رجلا شديد الذكاء، له موهبة رفيعة في التنظيم. وقد تنقل في كل مكان في الجزائر، رابطا بين رجال العصابات وعاملا علي تحسين الأساليب. اغتيل عبان رمضان خنقا في شهر كانون الاول (ديسمبر) عام 1957 بمراكش علي يد مخابرات عبد الحفيظ بوصوف وبتواطؤ واضح من الشركاء الباقين في القيادة الجماعية للجنة التنسيق والعمل: كريم بلقاسم ولخضر بن طوبال. بعد الاغتيال قال بوصوف: لقد أنقذت الثورة الجزائرية من عدو شرس! التهمة الحقيقية كانت التفرد بالقيادة وتنصيب عبان نفسه قائدا ميدانيا وانفراده بالقرار!! بقية القادة لم يتمكن أيا منهم من كسر هذه القاعدة/العرف.
احمد بن بلا
ولد الرئيس الأول للدولة الجزائرية المستقلة في مدينة وهران غرب الجزائر. وعمل في الجيش الجزائري وحارب بشجاعة في الحرب العالمية الثانية فرقي إلي رتبة عريف. ومنح أوسمة لشجاعته في حملتي شمال إفريقيا وإيطاليا سنتي 1944 و1945 وعاد سنة 1946 إلي موطنه وانتخب عضوا للمجلس البلدي في مدينته الصغيرة. واندمج بسرعة في حزب حركة انتصار الحريات والديموقراطية في مقاطعة وهران. وفي سنة 1949 خلف حسين آيت أحمد في رئاسة المنظمة الخاصة شبه العسكرية. لكن سرعان ما كشفتها الشرطة الفرنسية سنة 1950 فقبض عليه. ولكنه هرب إلي القاهرة سنة 1952 حيث أنشأ مقرا للحزب. وعمل مع لجنة تحرير المغرب العربي. انتبه إلي الانشقاق الكبير الذي حصل في الحزب في الجزائر فاتصل ببوضياف والزعماء المقيمين في الخارج لوضع خطة تفجير الثورة. أعجب به الرئيس المصري جمال عبد الناصر وراهن عليه منذ البداية ليكون الزعيم الأول للثورة. فسخر له إذاعة صوت العرب لتهتم به أكثر من رفاقه. وأوصي به خيرا فتحي الديب مسؤول ملف الجزائر لدي المخابرات المصرية العامة. نجح بن بلا منذ اندلاع الثورة في أول تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1954 في تنظيم عمليات تهريب السلاح المصري إلي داخل التراب الجزائري. ونشط بين القاهرة وطرابلس وتونس والرباط. وقبض عليه يوم 23 تشرين الاول (أكتوبر) عام 1956 مع رفاقه الأربعة (حسين آيت أحمد، محمد بوضياف، محمد خيضر، ومصطفي لشرف) بعد أن أجبرت القوات الفرنسية الطائرة التي تقلهم من مراكش إلي تونس علي الهبوط في الجزائر. ولم يطلق سراحه من السجون الفرنسية إلا سنة 1962 وسرعان ما رشحته هيئة أركان الجيش بقيادة هواري بومدين لرئاسة الدولة الجزائرية المستقلة ضد رغبة الحكومة الجزائرية المؤقتة وبعض قادة الولايات في الداخل.
الانقلاب العسكري
احمد بن بلا أثناء حكمه تصرف وكأنه عبد الناصر الجزائر: يخطب في كل مكان، ويتحدث باسم الثورة والدولة كقائد أوحد وعندما أراد أن يغير فعليا من موازين القوي داخل الدولة والحكومة والجيش تمت إزاحته بيسر ومن دون كبيرعناء. قام بومدين، وزير دفاعه، بوضع حد لحكمه يوم 19 حزيران (يونيو) عام 1965 وأمضي بن بلا الزعيم الشعبي الوسيم أربع عشرة سنة في السجن حتي مجيء الرئيس الشاذلي بن جديد ليطلق سراحه. إن أحد أسباب شهرته الواسعة تعود إلي ما قدمه له الإعلام المصري القوي من دعم. كان عبد الناصر ينظر إليه بحب خاص. ويعتبره الزعيم الغائب. يذكر أحمد حمروش في كتابه قصة 23 تموز (يوليو)، عبد الناصر والعرب أنه عندما سأل محرر مجلة كل شيء اللبنانية بتاريخ 13 آيار (مايو) عام 1963 الرئيس عبد الناصر عما إذا كان قد قرأ الحملة المتطرفة التي شنتها مجلة باري ماتش الفرنسية علي أحمد بن بلا لأنه أعاد إلي عبد الناصر الفضل الأول في انتصار ثورة الجزائر، ولأنه قام بزيارة عبد الناصر قبل زيارة أي بلد أو رئيس عربي بعد الإفراج عنه . أجابه عبد الناصر إن علاقتي بالصديق بن بلا علاقة قديمة تعود إلي ما قبل الثورة.. إلي عام 1954 عندما كان يقيم في القاهرة كلاجئ سياسي.. وقد توطدت علاقتي الأخوية به وزملائه، زعماء الجزائر وأعضاء حكومتها، ولم تنقطع الاتصالات بيننا في أي وقت . وعندما سأله المحرر وهل ظلت هذه الصلة قائمة عندما كان بن بلا في السجن . ضحك عبد الناصر وقال وهو في السجن في باريس..كانت الاتصالات مستمرة بيننا ولم تنقطع أبدا .
هواري بومدين
اسمه الحقيقي محمد بن إبراهيم بوخروبة. ولد في يوم 23 آب (أغسطس) عام 1927 في إحدي القري القريبة من مدينة قالمة شرق الجزائر. غادر الجزائر ليدرس اللغة العربية في جامعة الزيتونة في تونس، ثم انتقل لاحقا إلي جامعة الأزهر في القاهرة في رحلة برية شهيرة حيث أخذته شاحنة قديمة إلي مدينة صفاقس جنوب تونس ثم من صفاقس إلي مدينة طرابلس فالقاهرة وهناك ذهب مباشرة إلي جامع الأزهر حيث ينام ويأكل من الصدقات التي تقدمها النسوة المصريات مساء كل يوم. وبعد ثلاثة أشهر من تخرجه، فكر في الالتحاق بمجاهدي الثورة الجزائرية. وعاد إلي القاهرة ليغادرها بعد زمن قصير إلي الجزائر منتحلا اسما حركيا (هواري بومدين) لينضوي رسميا في صفوف المجاهدين. نجح في كل العمليات العسكرية التي كلف بها وأثبت نبوغا متميزا في القيادة. فأصبح قائد المنطقة العسكرية الخامسة بوهران. ثم عين سنة 1960 رئيسا لهيئة أركان جيش التحرير الوطني. كان زعيما كاريزميا لدي جنوده وليس لدي المناضلين السياسيين.
الإستراتيجية الذكية
لقد عمل بومدين، عندما كان قائدا للولاية الخامسة علي انتداب تلامذة الثانوي الجزائريين الذين يدرسون بمدينة وجدة المغربية، فقد كان واعيا أن التطور السريع الذي يشهده جيش التحرير الوطني، يحتاج إلي مستوي رفيع من التنظيم والدعم اللوجستيكي ، مما يعني ضرورة تجنيد ضباط يحسنون قراءة وكتابة التقارير، فعمل علي ضم هؤلاء التلاميذ إلي جيشه، وشكل بهم نواة صلبة عرفت بـ مجموعة وجدة مـن بين أعضائها عـبد العزيز بوتفليقة (18 سنة)، بلقـاسم شـريف (23 سنة)، أحمد مدغري (22 سنة).
وغرس في هذه المجموعة عصبية عسكرية متميزة تدين له بالولاء فقد كان يقول لهم باستمرار يجب علينا أن نكون كصفيحة من الفولاذ ، كما كان يدعوهم إلي المحافظة علي قدسية الواجب والانضباط وإلي روح التضامن في ما بينهم، وإلي ضرورة الحذر من قادة الولايات في الداخل، ومن سياسيي الحكومة الجزائرية المؤقتة.
الحكومة المؤقتة
وعندما أعيد تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بقيادة فرحات عباس مرة ثانية، في 18 حزيران (يونيو) عام 1960، واستمرت حتي شهر آب (أغسطس) عام 1961، حيث شكلت الحكومة المؤقتة الثالثة والأخيرة بقيادة بن يوسف بن خدة، ودخلت هذه الحكومة في مفاوضات مباشرة مع السلطات الفرنسية، وبدأ الصراع يصبح علنيا وعنيفا في الآن نفسه بين الحكومة المؤقتة من جهة المشكلة من السياسيين، وهيئة الأركان من جهة ثانية. ووصل هذا الصراع ذروته وكان لكل طرف إستراتيجيته وتكتيكه لإزاحة خصمه. في هذه المعركة الداخلية ستكون نتيجة الصراع حاسمة للمهزوم والمنتصر علي حد السواء.
وفي 28 حزيران (يونيو) عام 1962، عقدت الحكومة المؤقتة اجتماعا في تونس، حيث اتخذت قرارا علي جانب كبير من الخطورة، إذ يقضي بحل هيئة الأركان وعزل قائدها بومدين ومساعديه منجلي وسليمان (قايد أحمد). ولكن، فشل امتحان القوة هذا، فقد اصطف جيش الحدود وراء قائده بومدين، وأعلن ضباطه أنهم لن يأتمروا بأوامر الحكومة المؤقتة وسيواصلون العمل تحت أوامر قائد هيئة الأركان. ومن ثمة لم تعرف الجزائر إلا زعيما كاريزميا وحيدا في حدود خاصة جدا بقيت علي مستوي المؤسسة العسكرية.
كان هواري بومدين، الزعيم الوحيد الذي احترم القاعدة وأدرك معانيها فاستغل ثغراتها أحسن استغلال. ذكاء بومدين يكمن في كونه أدرك بعمق عجزه عن أن يحكم كفرد ولكن بإمكانه أن يحكم كجهاز: وكان الجيش المنظم أحسن وسيلة يمكنه من خلالها حكم البلد. وقبل ذلك اختار أن يحتمي لفترة تحت برنص الزعيم (بن بلا) قبل أن ينجز انقلابه أو ثورة التصحيح في 19 حزيران (يونيو) عام 1965 من الإنصاف القول أن بومدين الذي استقبل في نفس السنة بهتافات الجماهير الجزائرية المعادية: بن بلا إلي القصر، بومدين إلي المشنقة . تمكن تدريجيا من الوصول إلي أعماق العاطفة الجزائرية ومن اكتساب احترام الجميع فبكته الجماهير بصدق عندما توفي وتذكره اليوم بكل فخر وتبجيل، والأكثر من ذلك أن ذكراه دخلت في لعبة الديمقراطية والتنافس وأصبح مرجعا يصبغ الشرعية علي المرشحين الذين يستشهدون بأقاويله.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق